oma.com
مكتبة قطر الرقمية هي مشروعٌ غير مسبوق يتيح بشكلٍ مجاني ومفتوح مجموعةً واسعةً من المواد الأرشيفية التي تشمل منطقة غرب آسيا وشمال إفريقيا ومحيطها. في إطار العمل على العدد الجديد والذي يتناول الجوانب المختلفة لمفهوم الوصول وإمكانيته، تواصلت إيست إيست مع عددٍ من المؤسسات والمنصات للتعرف على سياقات عملها وما لديها من خبرات وتطلعات. بدايةً، تحدثنا إلى د. جيمس أونلي، مدير شؤون البحوث التاريخية والشراكات بمكتبة قطر الوطنية، ليخبرنا عن مكتبة قطر الرقمية ودورها الرائد في إتاحة الوصول إلى تاريخ المنطقة.
في المستقبل القريب سيكون الاطلاع على محتويات العديد من الأرشيفات حول العالم بمتناول جمهور مكتبة قطر الرقمية بشكلٍ مجانيٍ ومفتوح.
تأسست مكتبة قطر الرقمية أيضاً بفضل جهود الشيخة موزة، كثمرةٍ للتعاون بين مؤسسة قطر والمكتبة البريطانية. ويعمل فريقٌ من الخبراء متعددي الاختصاصات (وأنا من ضمنهم) على إدارة المكتبة. كعضوٍ في هذا الفريق أعمل على انتقاء محتويات المكتبة سواء أكانت من مجموعة المكتبة البريطانية أو من الأرشيفات المختلفة حول العالم. منذ العام 2017 نتطلع إلى بناء شراكاتٍ جديدة بالإضافة إلى شراكتنا مع المكتبة البريطانية لنقدم مواد جديدة بلغاتٍ متنوعة. تقدم هذه المواد زوايا جديدة لمقاربة تاريخ وتراث قطر ومنطقة الخليج برمّتها مشتملةً الجزيرة العربية وإيران والعراق. نتطلع إلى الشراكة مع أرشيفات من الهند وتركيا والبرتغال وفرنسا فضلاً عن أرشيفات عدّة في المملكة المتحدة، وحديثاً في روسيا. وقعنا مذكرة تفاهم مع كل من متحف كونست كامرا، وهو أقدم متحف في روسيا ومتحف سان بطرسبرغ للثقافة الإسلامية، وهو أحدث متاحف روسيا. يمتلك الكونست كامرا واحدةً من أكبر المجموعات الفوتوغرافية التي تعود إلى الشرق الأوسط والعالم الإسلامي، ومن ضمنها مجموعة مهمة رغم صغرها تغطي منطقة الخليج وبشكلٍ خاص إيران.
بشكلٍ عام، تجري كل مشاريعنا للرقمنة بالتعاون مع شركائنا حول العالم بالطريقة ذاتها. نعمل أولاً على رقمنة المواد، بعدها نشرع بإعداد كتالوغ المعلومات الخاصة بكل مادةٍ مرقمنة، سواء أكان تلك المادة مستند ورقي أو صورة أو تسجيل صوتي أو فيلم. في عالم الإنترنت تُعرَف هذه المعلومات بالبيانات التعريفية. واقع الحال، أن كل ما يصحب الصور الموجودة على الإنترنت من نصوص هي بياناتٌ تعريفية لهذه الصور. فبواسطتها يمكننا أن نعرف مكان التقاطها واسم المصور واسم المؤسسة التي تقع هذه الصورة بحوزتها ورقمها بالسجل (إذا ما رغبنا بالاطلاع على الصورة الأصلية عند زيارتنا لتلك المؤسسة). هذا ويمثل إنتاج البيانات التعريفية قرابة 90% من مجمل عمل الأرشفة الرقمية. ويتطلب ذلك فريقاً من الأرشيفيين وأصحاب الاختصاص، عادةً من المؤرخين، الذين يبحثون عن هذه البيانات ويقومود بتدوينها.
في المستقبل القريب سيكون الاطلاع على محتويات العديد من الأرشيفات حول العالم بمتناول جمهور مكتبة قطر الرقمية بشكلٍ مجانيٍ ومفتوح. كل ما يحتاجه المرء هو جهاز كمبيوتر متصل بالإنترنت.
ل.ب.:
ج.أ.: يرتكز عمل مكتبة قطر الرقمية على مبدأ "الإتاحة الكاملة" والتي تعني تمكين زوار المكتبة من الوصول إلى محتوياتها كافة، وإتاحة استخدامها بشكلٍ مجاني تماماً. أحد أركان الرسالة التي تضطلع بها مؤسسة قطر هو دعم اقتصاد المعرفة والأبحاث الجديدة والخلاقة عن تاريخ قطر ومنطقة الخليج التي تمثل الجانب الأقل اشتمالاً بدائرة البحث في الشرق الأوسط. في هذا الإطار ترغب مؤسسة قطر بتشجيع المزيد من الأبحاث والدراسات حول المنطقة ليتسنى فهمها بشكلٍ أعمق. هناك العديد من القصص المثيرة عن المنطقة في انتظار من يرويها، إلا أن المعلومات اللازمة لذلك مبعثرةٌ حول العالم بحوزة العديد من الأرشيفات التي يصعب الوصول إليها. لذا يتمحور دور مكتبة قطر الرقمية حول تبويب تلك المواد ورقمنتها وإتاحتها على الإنترنت حيث يمكن استخدامها وتحميلها بشكلٍ مفتوح ومجاني للجميع أينما كانوا دون الحاجة لوجود اشتراكٍ مسبق. كما سبق وأن قلت، كل ما يحتاجه المرء هو جهاز كمبيوتر متصل بالإنترنت.
لتوضيح الأمر، لنفترض أنك تودين البحث عن مادةٍ معينة بأرشيفٍ ما. يتوجب عليك أولاً تقصي البيانات التعريفية للمادة التي تبحثين عنها بالكتالوغ، وقد يحتاج ذلك وقتاً طويلاً. في مكتبة قطر الرقمية يمكنك البحث عن المواد الأرشيفية التي تريدينها بشكلٍ مباشر. تماماً كما هو الحال مع محرك غوغل للبحث. يمكنك بعدها تحميل هذه المادة كاملةً أو مجتزأةً في صفحات على جهازك الخاص بصيغة بي دي إف. لا حاجة هنا للنسخ الضوئي وليس من ثمّة رسومٌ على ذلك. إذا كانت المادة الأرشيفية قيد البحث غير مكتوبة بخط اليد، فستكون ممسوحةً بتقنية التعرّف الضوئي والتي تسمح بتحويل المسوح الضوئية من صورٍ إلى نصوص قابلةٍ للبحث، تماماً كالمستندات الرقمية على تطبيق وورد. تعين هذه الخاصية الباحثين على نحوٍ خاص، فالبحث الرقمي المباشر في الأرشيفات المادية ليس أمراً متوفراً دائماً. إذ يتوجب على الباحث أولاً تصفح كامل المستند صفحةً صفحة، أو تفحص فهرس المحتويات حال كانت المادة المقصودة كتاباً على سبيل المثال. لكن لنفترض أن الكلمة المفتاحية التي يجري البحث عنها لم تكن مذكورةً في الفهرس، سيزيد ذلك من صعوبة البحث بلا شك. بالمقابل، في مكتبة قطر الرقمية يمكن للباحث العثور على مادة بحثه في ثوانٍ معدودة. إذ يأخذه محرك البحث فورياً إلى الصفحة والسطر اللذان يحويان الكلمة المفتاحية التي قام بإدخالها. لهذا السبب أعتقد أن مكتبة قطر الرقمية ستغير قواعد اللعبة فيما يخص إمكانية وصول الجمهور إلى المواد الأرشيفية وقابلية تلك المواد للبحث.
يغير الأرشيف الرقمي اليوم طريقة عمل الباحثين. هذا وتحظى مكتبة قطر الرقمية بأرشيف رقمي لا يناهزه سواه في المنطقة. وينصب مجمل محتوى أرشيف المكتبة حول منطقة الخليج وشبه الجزيرة العربية، ما يجعله قبلةً للباحثين الذين يتناول عملهم تاريخ المنطقة. بل إن عدداً من الباحثين حول تاريخ الشام وشمال إفريقيا تحولوا مؤخراً لدراسة تاريخ الخليج بسبب توافر المواد على أرشيف مكتبة قطر الرقمية. أسهم ذلك في دفع عجلة البحث حول تاريخ قطر ومنطقة الخليج منذ العام 2014، وهو عام تأسيس الأرشيف الرقمي بالمكتبة، بزيادةٍ بلغت 700% في عدد المنشورات البحثية التي تستقي مصادرها عن مواد المكتبة البريطانية المتاحة على أرشيف مكتبة قطر الرقمية. إنها لحظةٌ مهمة بالنسبة لحقل دراسات الخليج والجزيرة العربية، و من الرائع أن نرى إسهام مكتبة قطر الرقمية في ذلك.
إلى اليمين:: جيمس أونلي في المكتبة البريطانية
ل.ب.: لديّ سؤالٌ دقيق يتصل بما تفضلت به. كثيرٌ من الأرشيفات التي ذكرتها تقع ضمن ما نطلق عليه "الأرشيفات الاستعمارية" وهي الأرشيفات التي تسجل تدخلات حكومات الاستعمار في المنطقة، وقد تمثل هذه الأرشيفات صورةً عن الماضي يشوبها الانحياز أو التحريف. كيف يمكننا مقاربة المصادر الاستعمارية في مكتبة قطر الرقمية عند كتابة تاريخ منطقة الخليج؟
ج.أ.: سؤالك جيد جداً. واقع الحال أن كل مصادر التاريخ هي مصادرٌ خاضعةٌ للأهواء الشخصية بدرجةٍ أو بأخرى. وغنيٌ عن الذكر أن المجموعات الأرشيفية التي نقوم بتحميلها على مكتبة قطر الرقمية أسبوعياً كانت قد جُمعت في الأصل لسببٍ محدد. وهي في ذلك لا تختلف عن غالب الأرشيفات الغربية التي كانت قد جُمعت في إطار التوسع الإمبراطوري. الوثائق التي نقوم بنشرها حالياً على مكتبة قطر الرقمية تعود إلى حكومة الهند البريطانية وشركة الهند الشرقية و مكتب الهند في لندن. كان الهدف الأساسي لهذه الوثائق جمع المعلومات الاستخباراتية (عن الاقتصاد في بادئ الأمر، ثم عن السياسة لاحقاً) والتأثير على صنّاع القرار في المنطقة من الحكّام والزعماء المحليين لضمان توافق قراراتهم مع المصالح البريطانية بالمنطقة.
لا يتنقص ذلك من قيمة المعلومات التي تقدمها هذه الوثائق، بل يلفت إلى أهمية قراءتها بشكلٍ نقديٍ حصيف ضمن سياقها، والتماس التاريخ من بين سطورها. يعلم المؤرخون المشتغلون بهذه الوثائق كيفية فعل ذلك. نعمل على إتاحة هذه المواد، إلا أنها تتطلب تأهيلاً دراسياً لاستخدامها بشكلٍ دقيق. وهذه مسؤولية الجامعات التي تقوم بتأهيل المؤرخين وعلماء الأناسة والآثار وغيرهم ممّن ينوون استعمال مثل هذه المواد التاريخية. ويسعدني أن أقول أن عدداً من جامعات أوروبا وأميركا الشمالية والشرق الأوسط وآسيا تستخدم مكتبة قطر الرقمية لدراسة منهجيات البحث العلمي. هذا وتفرض الخلفية الاستعمارية لهذه السجلات أكثر من غيرها توفير طيفٍ واسعٍ من المواد والروايات المختلفة للحدث، ليس من وجهة النظر البريطانية وحسب، بل والعثمانية والروسية والفرنسية والبرتغالية والألمانية والهولندية كما المحلية أيضاً.
نهتم بإتاحة أكبر كمٍ ممكن من المواد على مكتبة قطر الرقمية
عندما يتناول الباحث حدثاً تاريخياً استناداً إلى مصدرٍ واحد، لن يكون لديه سوى وجهة نظرٍ واحدة حيال الأمر، وهي وجهة نظر من قام بتسجيل الحدث (في رسالةٍ أو تقريرٍ مثلاً). وقد يكون هذا التسجيل ملتبساً في كثيرٍ من الأحيان أو ممثلاً لجانبٍ واحد من القصة في أحسن الأحوال. هنا تظهر أهمية اللجوء إلى مصادرٍ مختلفة. ولذا نهتم بإتاحة أكبر كمٍ ممكن من المواد على مكتبة قطر الرقمية، بحيث يستطيع المؤرخون وعلماء الأناسة وتاريخ العمارة والآثار ممّن يعملون على تاريخ المنطقة الوصول إلى أدق فهم ممكن لأحداث التاريخ.
على سبيل المثال، هناك معركةٌ شهيرة دارت رُحاها هنا في قطر في العام 1893، تُعرف باسم معركة الوجبة. خاضها رجال الشيخ جاسم آل ثاني (مؤسس الدولة) ضد عسكر الجيش العثماني. في تلك الآونة كانت قطر إمارةً مستقلة تتمتع بحكمٍ ذاتي ضمن إطار الإمبراطورية العثمانية. كانت السلطات العثمانية في منطقة الخليج تحاول إنهاء هذا الوضع الاستثنائي وهو ما لم يعجب الشيخ آل ثاني. قال الشيخ للعثمانيين "اسمعوا، اتفاقنا معكم يقتضي حمايتكم لقطر ورعايتكم لشؤونها الخارجية، أما الإدارة الداخلية فهي شأننا الخاص." كان للحاكم العثماني في البصرة رأيٌ آخر، إذ ارتأى أن الشيخ جاسم يجب أن يمتثل لأمره. نشبت على إثر ذلك معركة الوجبة على أطراف مدينة الدوحة. ربح القطريون المعركة، وحفظوا استقلالهم بالنتيجة. تمثل هذه المعركة اليوم جزءاً من السردية التاريخية عن نشأة قطر. إلا أننا لا نملك سوى روايتين عن هذه المعركة. تأتي الرواية الأولى من التراث القطري الشفهي، بينما تعود الرواية الثانية إلى تقريرٍ قصير عن الأحداث كان قد أعدّته السلطات البريطانية في الخليج استناداً إلى مصدرٍ ثانوي. التقرير البريطاني شحيح التفاصيل، إذ لم يكن من بين من شهدوا المعركة أي مسؤولٍ بريطاني. في إطار جهودنا لتنويع المصادر المتاحة حول معركة الوجبة على مكتبة قطر الرقمية، استحضرنا التقرير العثماني الرسمي عن وقائع المعركة من الأرشيف العثماني باسطنبول. يناهز التقرير 17 صفحة تعج بالتفاصيل الدقيقة ويقدم صورةً حول مجريات المعركة الشهيرة تختلف وتحوي تفاصيل أكثر عن الروايتين السابقتين. هذا مثالٌ لكيفية جمع روايات متباينة عن نفس الحدث وإتاحتها على الإنترنت كي يتسنّى للباحثين استنتاج ماهية ما حدث بالفعل.
ل.ب.: هذا رائعٌ حقاً. لدي سؤالين آخرين حول الإطار العام لعملكم. أتساءل أحياناً حول دور المكتبات التقليدية في ظل وجود المكتبات الرقمية. ما هي التحديات الأساسية التي تواجه عملكم في هذا الصدد؟
ج.أ.: هذه الأيام تتحول كل المكتبات إلى الوسيط الرقمي بدرجةٍ أو بأخرى. فرض ذلك الواقع نفسه بشكلٍ حاسم عقب الجائحة، حين اضطُرت مكتباتٌ عديدة إلى إغلاق أبوابها، والاستمرار في تقديم خدماتها على الإنترنت. من هذه الزاوية أسهمت الجائحة في تسليط الضوء على أهمية مكتبة قطر الرقمية، كأحد الخدمات التي تقدمها مكتبة قطر الوطنية، والتي لا تقتصر على سكان قطر وحسب، بل هي متاحةٌ للجميع أينما كانوا. إلا أن مكتبة قطر الرقمية ليست هي الخدمة الرقمية الوحيدة التي نقدمها. هناك أيضاً باقات للمشتركين كما هو معمولٌ به في المكتبات الجامعية حول العالم كمنصة جي ستور وإيبسكو. كما نقدم أيضاً خدمات الاشتراك في موسوعات متنوعة كموسوعة الإسلام لبريل على سبيل المثال. هذه الخدمات متاحةٌ على الإنترنت إلا أن استخدامها يتطلب عضويةً مدفوعةً مع اسم مستخدم وكلمة سر، لذا لا يمكننا إتاحتها عبر مكتبة قطر الرقمية. يستلزم الأمر أن تكون عضواً بمكتبة قطر الوطنية، حائزاً لبطاقة هويةٍ قطرية ومقيماً في قطر كي يتسنى لك الاستفادة من هذه الخدمات.
على صعيدٍ آخر، تمثل كلفة الرقمنة أحد أهم التحديات المتعلقة بعملنا. في بعض الأحيان تكون كلفة اقتناء المادة الأصلية أقل من كلفة رقمنتها. لذا يتواصل الحديث حول كيفية ضغط هذه الكلفة وجعلها بالمتناول. يأتي ذلك استجابة لإيمان عميق بأن الوصول إلى المعرفة يجب أن يكون مجانياً، كي يمكننا أن نوازن بين كلفة المعرفة وضرورة إتاحتها بالمجان. وهناك حوار مستمر بين المكتبات والناشرين والشركاء في الأرشيفات المختلفة بهذا الصدد.
تتشابه مشاريع الشراكة تلك مع ما تقوم به مثلاً الأمم المتحدة من شراكات تجتمع فيها البلدان على ما فيه الخير للجميع، ليس الجميع في بلادنا وحسب، بل الجميع في كل بلاد العالم.
ما نقوم به هو شكلٌ من أشكال الدبلوماسية الثقافية، وهو ما يشجع حكومات البلدان الشريكة في بعض الأحيان على المساهمة في تحمل كلفة مشاريع الرقمنة التي نقوم بها. ترى هذه الحكومات عملنا ضمن المساعي الرامية لمد جسور الثقافة بين البلدين. تتشابه مشاريع الشراكة تلك مع ما تقوم به مثلاً الأمم المتحدة من شراكات تجتمع فيها البلدان على ما فيه الخير للجميع، ليس الجميع في بلادنا وحسب، بل الجميع في كل بلاد العالم.
ل.ب.: سؤالي الأخير يتعلق بخططكم المستقبلية، ما هي الخطط الاستراتيجية لمكتبة قطر الرقمية؟
ج.أ.: تحتل مكتبة قطر الرقمية صدارة مشهد الأرشفة الرقمية على مستوى الشرق الأوسط. فلديها أكبر أرشيفٍ رقميٍ في المنطقة. لسنا الأرشيف الأوحد، لكننا الأكبر والأقدم. وللحفاظ على حيوية المكتبة يجب أن نواصل العمل على إضافة المزيد من المواد الجديدة.
لدينا قائمةٌ بأولوية البلدان بحسب أهمية ما لديها من مادةٍ تاريخية وعلاقة تلك المادة بمنطقة الخليج العربي، بما فيها الجزيرة العربية وإيران والعراق. وإن كان لديها مخطوطاتٌ علمية باللغة العربية تعود للعصور الوسيطة الإسلامية، كما في حالة المكتبة البريطانية، نضيف ذلك إلى قائمتنا في مكتبة قطر الرقمية للتأكيد على إسهام العالم العربي في إنتاج المعرفة. إلا أن ذلك مشروعٌ أصغر، فالمخطوطات العربية تمثل أقل من 10% من المواد المتاحة على مكتبة قطر الرقمية. نعمل حالياً على رقمنة مواد أرشيفية من الهند التي تنفرد بامتلاك أكبر كمٍ من الوثائق عن منطقة الخليج العربي، إلا أنها مدفونةٌ تحت طبقات وطبقات من البيروقراطية الحكومية التي تتطلب صبراً وسنوات طوال لعبورها. هناك بلاد أخرى تمتلك وثائق عن منطقة الخليج منها المملكة المتحدة وفرنسا والبرتغال وهولندا وألمانيا والدنمارك وأميركا وبالتأكيد روسيا. بدأنا لتوّنا محادثات مع متحف كونست كامرا وأرشيف البحرية الروسية في سان بطرسبرغ لرقمنة مجموعتهم التاريخية الصغيرة والقيمة حول منطقة الخليج العربي. نخطط أيضاً للعمل مع متحف سان بطرسبرغ للثقافة الإسلامية لترجمة ونشر التقارير التي سطرها عددٌ من الدبلوماسيين الروس عن منطقة الخليج مطلع القرن العشرين. أخيراً، هناك مجموعاتٌ أرشيفية لا حصر لها هنا في الخليج، تقع بشكلٍ أساسي بحوزة أفراد، وجزء من مهمتي هو البحث عن هذه المجموعات والتشاور مع مالكيها حول ما إذا كانوا يرغبون برقمنتها وإتاحتها على مكتبة قطر الرقمية. في أغلب الأحيان يكون ردهم إيجابياً.

كما ترين، عملي في مكتبة قطر الرقمية مستمرٌ لا ينتهي، وسيستغرق الأمر عقوداً لإتمامه. هو عملٌ مثيرٌ جداً ويا له من امتياز أن أضطلع به. عملت بالأرشفة طيلة حياتي الأكاديمية، إلا أن ما أقوم به الآن هو بالفعل ما سيغير قواعد اللعبة. إنه أكثر ما قمت به تأثيراً. ما أقوم به أنا وزملائي في مكتبة قطر الرقمية هو عملٌ يطال أثره عدداً كبيراً من الناس. منذ إطلاقها في العام 2014، زار موقع المكتبة أكثر من 1.9 مليون مستخدم قاموا بتصفح أكثر من 15 مليون صفحة. نصنع فارقاً ضخماً بالترويج للبحث التاريخي حول قطر ومنطقة الخليج. مكتبة قطر الرقمية هي إنجازٌ كبيرٌ ومستمر؛ إنجازٌ يغير الطريقة التي يدرس بها الباحثون تاريخ المنطقة، ويجتذب المزيد من الباحثين لدراستها.





